مقدمة تحليلية
بينما تتوالى أنباء الكارثة الإنسانية في قرية "ترسين" بدارفور، يكشف المشهد السوداني عن حالة من التصدع العميق، لا تقتصر على الانزلاق الأرضي الذي ابتلع مئات الأرواح، بل تمتد لتشمل انزلاقاً سياسياً واقتصادياً يهدد بتمزيق البلاد. العناوين الصادرة اليوم ليست مجرد أخبار متفرقة، بل خيوط متشابكة تنسج صورة قاتمة لواقع معقد، حيث تتصادم الشرعيات، وتتفاقم الأزمات، ويظل المواطن هو الضحية الأكبر.
الكارثة الإنسانية في "ترسين": صراع على السردية ومحدودية الاستجابة
في قلب جبل مرة، تتحول المأساة قرية "ترسين" إلى ساحة صراع سياسي وإعلامي قبل أن تكون أزمة إنسانية. في الوقت الذي تواصل فيه الفرق المحلية، بدعم من "تحرير السودان" والهلال الأحمر السوداني، جهود الإنقاذ المضنية، وصول فرق الإنقاذ يستغرق خمس ساعات عبر الدواب، مما يعكس عزلة المنطقة وصعوبة التضاريس، ويؤكد محدودية قدرات الاستجابة الرسمية.
تحولت الكارثة إلى ورقة سياسية في يد أطراف النزاع. محمد الناير يرد على "حملات التشكيك" التي ينسبها إلى "فلول النظام السابق"، متهماً إياهم بإنكار الكارثة. في المقابل، تحمل "الكتلة الديمقراطية" قوات الدعم السريع مسؤولية "تضاعف المأساة". هذه الاتهامات المتبادلة تبرز عمق الانقسام حتى في لحظات الحزن الوطني، مما يعرقل جهود الإغاثة ويزيد من معاناة الناجين.
ورغم أن المنظمة الدولية للهجرة لم تسجل أي حالات نزوح رسمياً من القرية، فإن حجم الدمار والتهجير قد يتضح لاحقاً. المأساة وحدت السودانيين في دعوات الإغاثة، لكنها في الوقت نفسه فضحت النزاع المستمر على شرعية الحكم والمسؤولية. المجلس الرئاسي يعزي الضحايا، و"تأسيس" يعلن الطوارئ، لكن التحرك الرسمي يبدو بطيئاً ومعقداً في ظل الانقسامات.
صراع الشرعيات: هل يقترب السودان من الانقسام؟
تتأكد مخاوف بعض الصحف من وجود شرعيتان متصارعتان في السودان، مع تزايد مؤشرات الانقسام:
- تصاعد النفوذ العسكري: غارات الجيش على أسواق في مليط وكتم تُسقط عشرات الضحايا، بينما تسعى قوات الدعم السريع إلى توسيع نفوذها في الفاشر.
- رسائل سياسية من الميدان: ظهور حميتي والحلو بالزي المدني في نيالا رسالة سياسية لتطبيع الوجود المدني في الميدان.
- الحرب الأيديولوجية: قرار حظر نشاط "الحركة الإسلامية" يُعد خطوة استراتيجية تُضاف إلى سلسلة المواجهات السياسية.
الأزمات المتراكمة: الاقتصاد، الأمن، والفساد
بعيداً عن الجبهات، يعاني السودان من أزمات متداخلة تهدد كيان الدولة:
- الاقتصاد المنهار: انخفاض قيمة الجنيه يُؤثر على قطاع الطيران، وخطط إجلاء موظفي "هجليج" تُنذر بتوقف للإنتاج النفطي. التجار يحتكرون السلع ويشترطون الدفع الإلكتروني رغم صرف الرواتب نقداً — مؤشر على فوضى الأسعار.
- قرار تحويل وجهات تصدير الذهب من الإمارات إلى عُمان بسبب توتر العلاقات يعكس أثر الصراعات الخارجية على العملة الصعبة.
- فوضى الأمن: حملات المداهمات والاعتقالات والنهب تُظهر تدهور المشهد الأمني، وحتى التراث الثقافي لم يسلم من الدمار (المتحف القومي يعاني).
أزمات متصاعدة في الصحة والتعليم
القطاعات الحيوية في تآكل مستمر:
- الصحة في مهب الريح: تحذيرات من منظمات دولية حول سوء التغذية وارتفاع الأمراض كحمى الضنك.
- التعليم في المنفى: نزوح آلاف الطلاب واضطرار كثيرين لإكمال دراستهم خارج البلاد.
تأثير النزاع على المجتمعات المحلية
الاستجابة الإنسانية تواجه عقبات لوجستية وسياسية، بينما يعاني الناجون من قلة الخدمات وفقدان المأوى. الانتقال من حالة الطوارئ إلى التعافي يتطلب تنسيقاً فعّالاً بين الجهات المحلية والدولية، وهو ما يبدو مفقوداً حالياً.
رأي الأحداث
إن هذه الأزمات المتداخلة تُظهر هشاشة مؤسسات الدولة وقدرتها المحدودة على الحماية والتعافي. الحل لا يكون فقط في الجهود الإغاثية المؤقتة، بل يتطلب إطاراً سياسياً واضحاً لإنهاء النزاع وإصلاح الاقتصاد وإعادة بناء الخدمات الأساسية.
خاتمة
عناوين الصحف اليوم ترسم صورة متكاملة لوضع السودان: كارثة إنسانية في "ترسين"، صراع شرعيات يهدد بالانقسام، أزمات اقتصادية وأمنية تلتهم مقدرات البلاد، وانهيار في قطاعات الصحة والتعليم. هذه العناوين دعوة عاجلة لتحرك سياسي وإنساني فاعل.
📱 تابع وشارك عبر وسائل التواصل:
📚 روابط داخلية تهمك:
🌐 روابط خارجية موثوقة:
تم إعداد هذا المحتوى بواسطة فريق مجلة الأحداث ✍️ جميع الحقوق محفوظة © 2025